السبت، 20 أبريل 2013

كلام طيب لمن يتدبر

كلام طيب لمن يتدبر

الليمون ...شراب حامض الطعم ولكن بقليل من حبات السكر يتحول لشراب حلو.

والأذكياء العقلاء أصحاب الألباب هم الذين يحولون الخسائر ..المصائب..النوازل..الأمراض..
الى أرباح...
والجاهل .. هو من يضاعف المصيبه ويزيد حجم الخسائر.

**سجن الامام أحمد بن حنبل فصار امام السنه..

**وحبس ابن تيميه فأخرج من حبسه علما جما..

**ورمي السرخسي في قعر بئر معطله فأخرج عشرين مجلدا في الفقه..

**وأقعد ابن الأثير فصنف جامع الأصول..

**ونفي ابن الجوزي من بغداد فجود القراءت السبع..


**وأصابت حمى الموت مالك بن الريب فقال قصيدته الرائعه التي تعدل دواوين من الشعر في الدوله العباسيه..

**ومات لأبي ذؤيب الهذلي أبناؤه فرثاهم بإلياذة أنصت لها الدهر..


**وسجن سيد قطب فأخرج لنا في ظلال القرآن..

**وكتب ابن القيم زاد المعاد وهو مسافر ..


**ومعظم فتاوى ابن تيميه كتبها في السجن..
ّّّّ


أختي ............أخي .....إذا داهمتك مصيبه فانظر للجانب المضيء و المشرق منها سوف تجده,وحاول تنيمته ودع الجانب المظلم منها.
إذا أهداك أحدهم ثعباناً ...فخذ جلده واصنع منه حذاء وتخلص من الباقي...

إذا مرضت فقل هذه فرصة للخلوة بالله عز وجل وزيادة الدعاء والتضرع لله

إذا افتقرت ..فقل حتى نعلم حال الفقراء وارفع يديك لعالم كل شيء ..فالدنيا ليس فيها
شر خالص ولا خير خالص..

(وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)

فقل أنت: يإلهي كم أنعمت علي بنعمة قل عندها شكري وكم
ابتليتني ببلية قل عندها صبري
,يامن قل شكري عند نعمه فلم يخذلني ويامن قل صبري عند بلائه فلم يعاقبني ..
يامن رآني على
المعاصي فلم يفضحني ..يا من كشف عني ضري....لك الحمد ...وأنت المنعم المتفضل.

يقول:"دايل كارنجي" مؤلف كتاب دع ألقلق ,,

أن أحد الأشخاص في مدينة بروكين بالولايات المتحده الأمريكيه
قد أصيب بقرحة شديده في الأثنى عشر وقد تورمت واشتدت إلى درجة أن ثلاثة من أطباء
أشاروا عليه بكتابة وصيته وقالوا لا تنزعج , ومن جراء ذلك قرر ذلك المريض ترك وظيفته
الكبيره التي كان يشغلها وقبع في بيته ينتظر الموت ساعة بعد ساعة ,
وفجأة قرر قراراً خطيرا دهش من حوله ..لقد قرر أن يحقق ماكان يتمناه طول حياته وهو أن
يطوف العالم ,,,وقال :مادمت سأعيش أشهر معدوده كما قال الأطباء ..
فلماذا لا أحقق ما أتمناه وقام فعلا بالحجز على أول رحلة بحريه حول العالم بعد أن اصطحب
معه الوصية والتابوت ..

كما قرر أن يأكل ويشرب كل ما يحبه طول عمره وكان محروما منه بسبب الأطباء..

تمتع في رحلته وأخيراً عاد بعد شهرين وهو معافىً صحيح وقد استعاد وظيفته وعاش
حقبة من الزمن..


لماذا تحزن ..اطرد الحزن واصنع من الليمون شرابا حلوا
وتعلم فنون تحويل الشقاء الى سعادة والخسائر الى ارباح تمتع بما عندك لو كان قليلا..

يقول عالم النفس "ألفريد أدلر" وقد قضى معظم حياته في دراسة
طبائع البشر وخصائصها:(إن من أسمى خصائص الأنسان قدرته على تحويل القوى السلبيه إلى إيجابيه

العلاقة الطيبة بين الناس تنشط المناعة

أكدت دراسة علمية حول تنشيط جهاز المناعة ومقاومة الأمراض أن العلاقة الطيبة بين الناس التي يسودها الحب تؤدى إلى إفراز مواد داخل ‏الجسم تنشط جهاز المناعة وتقي الإنسان من الأمراض عامة وأمراض القلب خاصة.
وذكر معد الدراسة أستاذ الأدوية والسموم بكلية الصيدلة في جامعة القاهرة ‏ الدكتور عز الدين الدنشارى في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) أن للحب قدرة ‏فائقة على شفاء المريض وعلى نشاطه وحيويته التي تتوقف بالدرجة الأولى على تنشيط ‏جهاز المناعة.‏ ‏ وأوضح أن تنشيط هذا الجهاز يعمل على إقلال نسبة الأمراض التي تصيب الإنسان ‏والناتجة عن الميكروبات والفيروسات مشيرا إلى إحصاء قام به طبيب فرنسي اثبت ان ‏ الأشخاص الذين يتمتعون بحب الغير تقل بينهم نسبة أمراض القلب مقارنة بمن هم ‏ ‏محرومون من هذا الحب .‏ ‏
واوضح الدكتور الدنشارى انه على الجانب الآخر فان الغضب والكراهية والضغينة ‏تؤدى إلى إفراز هرمونات مدمرة ترفع نسبة الإصابة بأمراض القلب وتقلل المناعة ضد الأمراض فيكون الإنسان عرضة للإصابة بالعديد منها.‏
وأكد أن أداء الشعائر الدينية من صيام وصلاة وغيرها يمنح الإنسان الطمأنينة‏ ‏مما يؤدى إلى أفرز هرمونات في الجسم تعمل على تنشيط جهاز المناعة وانخفاض ضغط ‏ ‏الدم والتوتر والاكتئاب والشد العصبي

الأعداء الثلاثة (الهوى والنفس والشيطان)

لأعداء الثلاثة

(الهوى والنفس والشيطان)






الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وبعد:





فيقول ربُّنا - جل وعلا -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].




في هذه الآية الكريمة يُبيِّن الله - تعالى - أنه خلق العباد لعبادته، وقد تكفَّل بأرزاقهم، وسخَّر لهم ما في الأرض؛ قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره: (ومعنى الآية: أنه - تبارك وتعالى - خلق العباد ليَعبدوه وحده لا شريك له؛ فمَن أطاعة جازاه أتمَّ الجزاء، ومَن عصاه عذَّبه أشدَّ العذاب، وأخبر أنه غير مُحتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم؛ فهو خالقهم ورازقهم).




وقال في تفسيره أيضًا: (وقد ورَد في بعض الكتب الإلهية: يقول الله - تعالى- : "ابنَ آدم، خلقتُك لعبادتي فلا تلعَب، وتكفَّلْتُ برزقك فلا تَتعَب، فاطلُبْني تَجدْني، فإن وجدَتني وجدتَ كل شيء، وإن فُتُّكَ فاتَك كل شيء، وأنا أَحبُّ إليك مِن كل شيء").




ولا شك أن مَن أقبل على الله وفرَّغ نفسه لعبادة ربه فإنه يُيسِّره لليُسرى، ويُجنِّبه العُسرى، ويَرزقه مِن حيث لا يحتسب، وليس معنى تفرُّغه أن يجلس ويَنقطع عن طلب الرزق الحلال من أبوابه المشروعة، ويَبقى عالةً على غيره، وَيُضيِّع مَن يقوت، وإنما المطلوب أن يَعبد الله وحده ويعمل على بصيرة من أمره، وأن يكون عمله لله فيما يأتي ويَذر، حتى تكون أعماله الدينيَّة والدُّنيوية لله؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ((كفى بِالمرْء إِثمًا أن يضيِّع مَن يقوت))، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((وابدأْ بمَن تَعول)).




كما أنَّ أحدَنا يأتي شَهوته ويكون له فيها أجر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: ((وفِى بُضْعِ أحدكم صدقة))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجرٌ؟ قال: ((أرأيتم لو وضعها فِى حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ؟ وكذلك إذا وضعها فى الحَلال كان له أجرٌ)).




كما أن العادات قد تَنقلِب إلى عبادات إذا صلَحت النيَّة؛ فقد ينام العبد وينوي بنومه التَّقَوِّي على قيام الليل، ويَغرسُ غرسًا فيؤكل منه فيكون له صدقة، وهذا مِن فضل الله على عبده المسلم؛ ففي الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما مِن مسلمٍ يغرِس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ؛ إلا كان له به صدقة)).




فيَنبغي استحضار النية الصالحة في جميع الأعمال، حتى في الحِرَف والصناعات التي يحتاج إليها الناس، فيكون ذلك مِن باب التعاون على البر والتقْوى.




والمرء في هذه الحياة في صراع وجهاد مع أعداء ثلاثة؛ هم: الهوى، والنفس، والشيطان، ولا بدَّ له مِن الاستعداد لمُجاهَدة كل عدو بما يناسبه من سلاح؛ ولذا سوف نتطرَّق إلى شيء يسير مما يتعلَّق بهؤلاء الأعداء.




العدو الأول: الهوى:





الهوى: هو مَيل النفس إلى الشيء، وميل الطبْع إلى ما يُلائمه، وسُمِّي: هوى؛ لأنه يَهوي بصاحبه.




والهوى كما قيل: يُعمي ويُصمُّ، يُعمي عن النظر في الحق وإن كان مشهورًا، ويُصمُّ عن سماعه وإن كان واضحًا؛ لأن الهوى قد سيطر على آلة البصر والسمع، وتجاهَل وجودهما وإدراكهما، وأصبح الهوى هو المتصرِّف والمُسيطِر، وأصبح صاحبه إنما يأتمر بهواه.




ولذا، فإن صاحب الهوى يظلُّ يتخبَّط في مهاوي التِّيه والضَّلال، لا يَعرف معروفًا، ولا يُنكر منكرًا، لا يُحقُّ حقًّا، ولا يُبطل باطلاً، إلا ما أُشرِب مِن هواه.


قال ابن كثير - رحمه الله - في قول الله - تعالى -: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ [الجاثية: 23] أي: إنما يأتمر بهواه، فمَهما رآه حسنًا فعله، ومهما رآه قبيحًا ترَكه، ثم قال - تعالى -: ﴿ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ﴾ [الجاثية: 23]، أي: فلا يَسمع ما ينفعه، ولا يَعي شيئًا يَهتدي به، ولا يرى حُجَّة يَستضيء بها؛ ولهذا قال - تعالى -: ﴿ فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].




واتِّباع الهوى قد يكون سببه الحسد؛ كما حصل مِن اليهود مع نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حين بُعث مِن العرب؛ فقد صدَّهم الهوى عما يدعوهم إليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم.




قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره على قول الله - جلَّ وعلا -: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 89]، قال - بعد كلام ساقه رحمه الله -: (وقال أبو العالية: كانت اليهود تَستنصِر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - على مُشركي العرب، يقولون: اللهم ابعث هذا النبي - الذي نجده مكتوبًا عندنا - حتى نُعذِّب المشركين ونقتلهم، فلما بعث اللهُ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ورأوا أنه مِن غيرهم كفَروا به حسدًا للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ فلذا قال الله - تعالى -: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 89].




وقد يَرجع اتِّباع الهوى إلى التكذيب والاستكبار والقتل بغير حق، فقد ذمَّ الله اليهود لاتِّباعهم لأهوائهم؛ قال - جل وعلا -: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87].




وأصْل الحسد والكِبر من إبليس حين امتنَع مِن السجود لآدم - عليه الصلاة والسلام - لما أمر الله الملائكة بالسجود لآدَم؛ فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر، قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].




فالكِبر والحسد مما يَحمل على اتِّباع الهوى، ولا شك أنهما من الخصال المذمومة والمؤدية بصاحبها إلى الهلاك في الدنيا والآخِرة.




ومما يَحمل على اتِّباع الهوى: حبُّ الرئاسة والحِفاظ عليها، فيرى مُتَّبعه أن انقياده لبعض الأمور المحمودة والصالحة يُفوِّت عليه بعض مصالحه الدنيوية المُكتسَبة مِن هذه الرئاسة فيتركها إيثارًا لمَصالِحه الدنيوية.




وقد يَحمل غيره ممَّن يُجامِله على ارتكاب بعض المحظورات، ويزيِّن له ذلك ويُشجِّعه، وإن كان يَعلم في قرارة نفسه أن ما ارتكَبه هذا الشخص محرَّم؛ كالرِّشوة والغِيبة والنميمة؛ حيث يرى مُتَّبِع الهوى أن له في ذلك مصلحةً دُنيويةً، وأنه بإنكاره على هذا المُجامِل له يُفوِّتُ على نفسه بعض المصالح، فيَحمله اتِّباع الهوى على السكوت؛ بل على التشجيع حفاظًا على رئاسته ومنزلته فيها.




وقد يَزعم أنه مُصلح وغيره ممَّن أتى بالحق مُفسِد؛ كما قال - جلَّ وعلا - عن فرعون: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26].




ومنها الجاه والمَنزلة في المُجتمَع؛ فقد يُبتلى البعض من الناس بالحرص على هذه الأمور، والحِفاظ عليها، فيَرتكب بعض المنهيات تعصُّبًا؛ للحفاظ على هذه المنزلة، فلا يَقبل التوجيه فيما يُلاحَظ عليه؛ لأنه يرى أن انصياعَه لما يوجَّه إليه يقلِّل مِن منزلته في عيون الآخَرين، فيَحمله ذلك على اتِّباع الهوى، مع معرفته ويقينه أن ما هو عليه باطل؛ إيثارًا للعاجل في الدنيا والزائل على الآجِل في الآخِرة والباقي.




ومنها الاغتِرار بالعلم؛ فقد يكون مِن أنصاف المتعلِّمين مَن يقول في مسألة مَرجوحة فيُعارضه غيره ممَّن لديه الدليل الراجِح، وقد يكون مِن تلامذته أو ممَّن هو أقل منه منزلةً في العِلم، إلا أن الدليل معه، فتثور ثائرة هذا المتعصِّب لرأيه؛ احتقارًا لمعارضه، وتعصُّبًا لرأيه؛ حِفاظًا على سمعته، وهذا مِن البلوى لدى كثير مِن المتعلِّمين، مع أن مِن ثمرات العلم قَبولَ الحق ممن جاء به، بصرف النظر عن منزلته؛ فالحِكمة ضالَّة المؤمن يأخذها أين وجدها.




ومنها ترويج السِّلَع والدعايات الكاذبة؛ وما أكثرها في هذه الأزمنة؛ فقد تفنَّن الكثير في الدعايات وخِداع الناس بالإعلانات اللافِتة للنظَر، والبرَّاقة، ووضع الجوائز لمن يَشتري كذا فله كذا، أو التَّخفيضات إلى نِسبة كذا في المائة، أو ما يُسمَّى: بتحطيم الأسعار؛ كل ذلك خِداع ومكْر وتضليل للسُّذَّج من الناس، فلولا ترويج السلعة لم يَنشُر هذه الإعلانات الباهظةِ الثمن، ويَعرض الجوائز، ويُخفِّض السلع؛ إلا بعد أن عرَف أنه أخذ مُقابل ذلك مِن أموال المُستهلِكين بالزيادة في الأثمان.




وإلا فكيف يَبيع السلعة في أول الأمر بمائة مثلاً، وفي آخِر الأمر يَبيعها بخصْم خمسة وعشرين مِن المائة، أو بخصْم خمسين من المائة؟



فهل هذا إحسان لمَن يتأخَّر في الشراء؟! أو خِداع لمَن يتقدَّم بالشراء؟! مع أن السِّلعة واحدة، فلا شك أن ذلك مِن اتباع الهوى لكسْب الأموال الطائلة على حساب السذَّج مِن المُستهلِكين، أرجو الله أن يَحميهم بالمسؤولين المُخلِصين، وأن يَهدي أصحاب الأموال إلى النظر فيما يأتون ويذرون في تصرفاتهم؛ حتى تكون على نهْج سليم، لا مكْر فيه ولا خِداع ولا تَضليل، وحتى يكون المجتمع مُتماسِكًا سليم الصدور فقيره وغنيُّه، يَسير في تصرُّفاته على نهْج نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي ما ترَك خيرًا إلا دلَّ أمَّته عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن غشَّنا فليس منَّا))، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: نَهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّجشِ، وهو: أن يزيد في السلعة مَن لا يُريد شراءها؛ إما لنفْع البائع، أو مضرَّة المشتري.




ثم اعلم أن السلاح للوقاية من اتباع الهوى أن يُفكِّر العبد:





مِن أي شيء خُلق؟!





وكيف تدرَّج في رحم أمِّه؟!





وبعد أن خرج إلى هذه الدنيا ماذا يَحمِل في بطنِه؟!





وكيف يصير إذا مات ووُضِع في قبره؟!





وبعد البعث إلى أين يصير إلى الجنة أم إلى النار؟!




كل ذلك ليَعرف منشأه ومصيره، فيحمله ذلك إلى معرفة ما خُلق له، فيعمل بأوامر الله ويَنتهي عن نواهيه، حتى يسعد في دنياه وأُخراه.




وأخيرًا: فالهوى ما خالَط شيئًا إلا أفسده، فعلى العبد أن يَحذَره كلَّ الحذَر؛ حتى لا يُفسِد عليه أعماله الصالِحة فتَضيع هباءً منثورًا.




العدو الثاني: النفْس:





ومِن الأعداء التي تَعترض العبد في هذه الدنيا: النفْس التي بين جنبَيه وداخل كيانه، وهي العدو اللَّدود؛ لأنها تأمُر بالسوء؛ ولذلك تسمَّى بالنفس الأمارة بالسوء، فهي تَميل للشهوات، وتَكره القُيود، وتحبُّ الانفلات والتحرُّر مِن كل ما تُمنَع منه، وتَضيق ذَرعًا إذا أُلزمتْ بأمر مِن الأمور.




وقد تكلَّم ابن القيم - رحمه الله - عن أنواع النفْس، وتكلَّم على كل نوع، فبعد أن ذكَر صفَة النفس المُطمئنَّة وصِفة النفس اللَّوامة فقد ذكَر صفة النفس الأمارة بالسوء، فقال - رحمه الله -: (وأما النفس الأمَّارة فهي المَذمومة؛ فإنها التي تأمُر بكل سوء، وهذا مِن طبيعتها، إلا ما وفَّقها الله وثبَّتها وأعانها، فما تخلَّص أحد مِن شرِّ نفسه إلا بتوفيق الله له، كما قال تعالى - حاكيًا عن امرأة العزيز -: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف: 53].




وقال - رحمه الله -: (وقد امتحَن الله - سبحانه - الإنسان بهاتَين النَّفسَين الأمارة واللوَّامة، كما أكرَمه بالمُطمئنَّة، فهي نفْس واحدة، تكون أمَّارةً ثمَّ لوامةً ثم مُطمئنَّة، وهي غاية كَمالها وصلاحها، وأيَّد المُطمئنَّة بجُنود عديدة، فجعل المَلَك قرينَها وصاحبها الذي يَليها ويُسدِّدها، ويقذف فيها الحقَّ ويُرغِّبها فيه، ويُريها حسن صورته، ويَزجُرها عن الباطل، ويُزهِّدها فيه.




إلى أن قال: وأما النفْس الأمارة فجعل الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها، فهو يَعِدُها ويمنِّيها، ويَقذف فيها الباطل، ويَأمُرها بالسوء، ويُزيِّنه لها، ويُطيل في الأمل، ويُريها الباطل في صورةٍ تَقبَلها وتَستحسِنها، ويمدُّها بأنواع الإمداد الباطل؛ مِن الأمانيِّ الكاذِبة، والشهوات المُهلِكة، ويَستعين عليها بهَواها وإرادتها.




إلى أن قال - رحمه الله -: والمقصود التَّنبيه على بعض أحوال النفْس المطمئنَّة واللوَّامة والأمَّارة، وما تَشترِك فيه النفوس الثلاثة، وما يتميَّز به بعضها مِن بعض، وأفعال كل واحدة منها، واختِلافها، ومَقاصدها، ونياتها، وفي ذلك تنبيه على ما وراءه، وهي نفس واحدة، تكون أمَّارة تارة، ولوَّامة أُخرى، ومطمئنَّة أخرى، وأكثر الناس الغالب عليهم الأمَّارة.




وأما المطمئنَّة فهي أقل النُّفوس البشرية عددًا، وأعظمها عند الله قدْرًا، وهي التي يُقال لها: ﴿ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 28 - 30].




والخلاصة: أن الله - تعالى - منَح الإنسان الإرادة الحرَّة، ليَضعه موضع الامتحان، فإذا عمل خيرًا فإنه سوف يَرى خيرًا، ومَن عمل شرًّا فإنه سوف يرى شرًّا؛ كما قال - تعالى -: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].




ومِن هذا نعلم أن منابع الخير والشرِّ لدى الإنسان موجودة في زوايا نفسِه، فكل ما يَعمل مِن أعمال ظاهرة - سواء كانت أعمالاً صالحةً أو أعمالاً سيِّئةً - فهي ثمرة ونتيجة لحرَكات نفسِه واندِفاعاتها واتِّجاهاتها الجازِمة.




فلذا يَنبغي للعبد أن يتسلَّح بسلاح الإيمان القوي الذي لا يُخالطه شكٌّ ولا ريب للتخلُّص من هذه النفس، ويَحمل نفسه على معرفة الله بصفاته وأفعاله وآلائه ومحبَّته وإرادته، والإنابة إليه، والإقبال عليه، والشوق إليه، والأُنسِ به، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وشُكرِه على نعمه وآلائه، حتى يكون الله وحده هو محبوبه وإلهه ومعبوده وغاية مَطلبه، وأن يُحقِّق قول الله - تعالى -: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].




وعلى العبد أن يُظهِر عجْز نفسه وذلَّها بين يدَي ربِّها الذي خلقها وسوَّاها وأطعَمها وسقاها، حتى تكون نفسه مطمئنَّةً، وحتى يَصدُق فيها قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30]، وذلك بفضْل الله ورحمته ومنِّه وكرمه.




اللهم اجعل نُفوسنا مُطمئنَّةً إليك، راغبةً فيما عِندك، مُمتثلةً لأوامِرك، مُجتنِبةً نواهيك، اللهم إنا نعوذ بك مِن شُرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، إنك حسْبُنا ونِعم الوكيل.




العدو الثالث: الشيطان:





لا شكَّ أن عداوة الشيطان للإنسان قديمة قِدَم الإنسان؛ فهو قد نصَب العداء له منذ أن خلق اللهُ آدم - عليه السلام - بيده، ونفَخ فيه مِن روحه، ثم أمَر الملائكة بالسجود له، فرفض الشيطان أن يسجد؛ حسدًا لآدم - عليه السلام - قال - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ﴾ [الإسراء: 61]، وقال - تعالى -: ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12].




لذا فقد أمرنا الله - تعالى - بأن نتَّخذ الشيطان عدوًّا؛ فقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6].




وعداوة الشيطان لابن آدَم ظاهِرة، ومَسالِكه في ذلك كثيرة؛ قال تعالى - إخبارًا عن إبليس -: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16، 17].




فالشيطان - عليه لعائن الله - حريص يَبذل جهده في إغواء العباد وصدِّهم عن صراط الله المستقيم بكلِّ ما يَستطيع، فما مِن طريق خير إلا وله فيه صدٌّ واعتِراض وتثبيط، وما مِن طريق شرٍّ إلا وله فيه ترغيب وتسهيل وتزيين وحثٌّ وتشجيع، فهو حريص على إيقاع بني آدم معه في النار، فيُحسِّن لهم الكفْر والمعاصي، ويَعِد ويُمنِّي؛ قال الله - تعالى -: ﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 120]، وقال - تعالى -: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ ﴾ [الأنفال: 48]، وقال - تعالى -: ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحشر: 16]؛ فالشيطان يَعد ويمنِّي، فإذا وقع العبد في حبائله تخلَّى عنه وتبرَّأ منه.




وإن مَظاهِر عداوة الشيطان للإنسان كثيرة جدًّا، فمنها: الوسوسة، ومنها: التحريش وإيقاع العداوة بين المسلمين، ومنها: الصدُّ عن ذكْر الله - تعالى، ومنها: الغضب والشَّهوة، ومنها: العجلة وترْك التثبُّت، ومنها: الشبَع مِن الطعام، ومنها: التكاسُل في الطاعات وارتكاب المحرمات، ومنها: الرفيق السيِّئ، ومنها: البُخْل، ومنها: الحسد، ومنها: التعصُّب للهوى والمذاهب، وغيرها مِن المداخل التي لا يسع المقام للتفصيل فيها.




فالعاقل الناصح لنفسه عليه أن يعرف عدوه الذي حذَّره الله منه، فلا يَنخدِع بما يُزيِّن له الشيطان مِن مَعاصٍ؛ فهو عدو يوقع في المعصية ويتبرَّأ ممَّن وقَع في فخِّه؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22].




فيَنبغي للعبد أن يتسلَّح بسلاح الإيمان، وأن يَكون حَذِرًا مِن هذا العدو في جميع أحواله، وأن يكون متمسِّكًا بكتاب ربِّه وسنَّة نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم.




كما يجب عليه أن يكون معتدلاً في أموره، لا إفراط ولا تفريط، سادًّا على الشيطان جميع المَنافذ التي يُمكن أن يدخل عليه منها؛ فإن الشيطان يشمُّ منافذ الضَّعف في العبد فيَأتيه منها، فقد يأتيه عن طريق الطاعة إذا لم يقدر عليه مِن طرق المعصية، فيُشكِّكه في عمله، ويُقلِّل مِن شأنه وإن كان متَّفقًا مع ما جاء به الشرع، فيَأمره بالزيادة والغلو حتى يَخرج مما شرع على لسان نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - فإن الشيطان يَجري مِن ابن آدم مجرَى الدم.




فعلى العبد أن يتحصَّن مِن هذا العدو الشيطان بما شُرع مِن الأذكار والتعوُّذات، وكثرة الاستِغفار والمُحافَظة عليه، ويلجأ إلى الله ويدعوه بالدعوات المأثورة، بأن يَحفظه مِن عدوِّه بالتعوُّذ وقراءة القرآن، وخاصَّةً السور والآيات التي ورَدت في ذلك؛ كالمعوِّذتَين والإخلاص وآية الكرسي، ونحوها.




وعليه أن يَحرص كل الحِرص على أن تكون أعماله متَّفقةً مع هدْي نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى يَنال ثواب الله وفضْله وجنَّته بفضْل الله ورحمته، ويَسلم مِن عدوِّه الشيطان وحزبِه، والنار المعدَّة لعدوِّه وأوليائه ممَّن أطاع الشيطانَ وحِزبه.




وختامًا: أقول: إن العبد في هذه الحياة لا يَدري مدَّة إقامته فيها؛ لذا ينبغي عليه أن يُبادِر بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان؛ يقول نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه -: ((اغتنم خمسًا قبل خمسٍ؛ شبابك قبل هَرَمك، وصحَّتك قبل سقمك، وغِناك قبل فقرك، وفراغَك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتك))، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: ((إِذا أمسيتَ فلا تَنتظرِ الصَّباح، وإِذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساء، وخذْ مِن صحَّتك لمرضك، ومِن حياتك لمَوتِك)).




فإذا كان العبد بهذه المثابة، وأخَذ بهذه الوصايا، فإنه بذلك يكون على الدوام مُستحضِرًا ما لله عليه مِن حُقوق، عاملاً بأوامره مُجتنبًا لنواهيه، فتكون حياته سعادةً وسرورًا ولذَّةً وطُمأنينةً، فتلك جنَّة الدنيا، والطريق والوسيلة إلى جنَّة الآخِرة.




فهذه الحياة الحقيقية التي يَنبغي للعبد أن يَحياها ويَلتزمها لينال سعادة الدنيا والآخِرة بفضل الله وكرمه.


يقول أحد السلف: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالَدونا عليه بالسُّيوف"؛ لِما هو فيه مِن لذَّة الطاعة وطمأنينة النفس، بخلاف ما عليه أصحاب المعاصي من شَقاء وعناء وتعبٍ ونكدِ عَيش، وإن تلذَّذ أحدهم ببعض الشهوات والمأكولات ومَجالس التَّرفيه فتلك قشور يُشاركه فيها معظم الحيوانات، وسرعان ما تَذبُل وتتبدَّل بأضدادها، وصاحبها في وقتها في قلقٍ عليها يَخاف مِن زوالها أو زواله عنها، فيَلقى الله وهو على تلك الحال السيئة، قد ختم له بخاتمة سوء، فهو لا يَدري متى تزول أو يزول عنها، هذا إذا كان لدَيه عقل يميِّز به.




أما إن كان قد غَرق في بحر الجهل وأنْتان المعاصي، واسْوَدَّ قلبه مِن المعاصي، وران عليه ما كسب، فهو الذي لا يَعرف معروفًا ولا يُنكِر منكرًا؛ يقول - جل وعلا -: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14].




وفي الحديث عن أبي هُريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن العبد إذا أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب منها صُقل قلبه، وإن زاد زادتْ؛ فذلك قول الله - تعالى -: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))، وقال الترمذي حسن صحيح.




ولا شكَّ أن للطاعات أثرًا في سعادة العبد في حياته، وللمعاصي تأثيرًا على العبد في حياته، يَعرِف ذلك مَن اتَّصف بصفات أهل السعادة، ومَن اتَّصف بصفات أهل الشَّقاوة، والسعيد مَن وفَّقه الله واختار لنفسه سعادة الدنيا والآخِرة، والشقي مَن اختار لنفسِه طريق الشَّقاوة فخَسِر دُنياه وأُخراه.




واعلم - أخي - أن الله لا يَظلم الناس شيئًا، ولكنَّ الناس أنفسهم يَظلمون، فقد بيَّن الله - سبحانه وتعالى - طريق السعادة، ورغَّب في سلوكه، وطريقَ الشقاوة ونهَى وحذَّر مِن سُلوكه؛ يقول - جل وعلا -: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، ويقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 123 - 126].




• فالحياة الطيبة والحياة السعيدة هي حياة الطاعة لله، والإقبال عليه، والأُنسِ به - جل وعلا.
• ونكَد العيش، وشَقاء الحياة؛ في ارتكاب المعاصي، والإعراض عن الله.




والعبد لن يؤتى إلا مِن قِبَل نفسه؛ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، فعليه أن يَحتاط لنفسه؛ بعمل الصالحات، والبُعدِ عن الموبقات، ويطَّرح بين يدَي مولاه ومالكه، ويتضرَّع إليه بأن يوفِّقه لعمل الصالحات، وأن يجنِّبه السيئات، حتى يَفوز بخيرَي الدنيا والآخِرة؛ يقول - جل وعلا -: ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 29].




وفي الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ الدُّنيا حُلوةٌ خضِرةٌ، وإنَّ الله - تعالى - مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتَّقوا الدُّنيا واتَّقوا النِّساء؛ فإنَّ أوَّل فتنة بني إسرائيل كانت في النِّساء))؛ رواه مسلم.




فالعبد في هذه الحياة أمامه فرصة للعمل، والعمل يَحتاج إلى صيانته عن المؤثِّرات، ولا بدَّ مِن مُحاسَبة النفس قبل الحساب؛ يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أنفسكم قبل أن توزَنوا)).



الصدق وأثره على النفوس الطيبة

بسم الله الرحمن الرحيم



قال الله تعالى: ياأيُّها الَّذين آمنوا اتَّقُوا الله وكونوا مع الصَّادقين وقال أيضاً: {فمن أظلمُ ممَّن كَذَبَ على الله وكَذَّبَ بالصِّدق إذ جاءَهُ أَلَيْسَ في جهنَّمَ مثْوىً للكافرين* والَّذي جاءَ بالصِّدق وصَدَّقَ به أولئك هُمُ المتَّقون*لهم ما يشاؤونَ عندَ ربِّهمْ ذلك جزاءُ المُحسنين وقال أيضاً: {ومن أظلمُ ممَّنِ افترى على الله كذِباً أو كَذَّبَ بآياتِهِ
إنَّهُ لا يُفلِحُ الظَّالمون
ومضات:
ـ الصِّدق هو المِحَكُّ لمعرفة درجة الإيمان، وهو الفضيلة الَّتي يجب أن تصطبغ بها كلُّ أعمالنا وتصرفاتنا أثناء توجُّهنا إلى الحضرة الإلهية، حتَّى تُتوَّج أعمالنا كلُّها بالنور والفلاح.
ـ أشدُّ الناس ظلماً هو من يعتدي على حقوق الله تعالى وتشريعاته وتعاليمه، سواء بالتقوُّل عليها كذباً وبهتاناً، أو بالتكذيب المباشر لما أنزله تعالى من الرسالات السماوية.
في رحاب الآيات:
الصِّدق خُلقٌ من أجلِّ الأخلاق الَّتي يتَّصف بها المؤمنون، وتاج مرصَّعٌ توِّج به النبيُّون والمرسلون. وهو الطريق لكلِّ خير وبرٍّ، وعنوان للرقيِّ المادِّي والروحي في كلِّ جيل وعصر، ومِحَكٌّ دقيق يميِّز المؤمن ـ الَّذي
يتحرَّى هذا الخلق في أقواله وأعمالـه ـ عن المنافق الَّذي يكثر من الكذب حتَّى يصبح علامة من علامات نفاقه، ويسلك به الطريق الضيِّق، فينزلق من خلاله إلى أودية الشرور والآثام. وقد بيَّن لنا الصَّادق المصدوق نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم عاقبة الأمرين عندما قال: «عليكم بالصِّدق فإن الصِّدق يهدي إلى البِّر، وإن البرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرَّى الصِّدق حتَّى يكتب عند الله صِدِّيقاً، وإيَّاكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النَّار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتَّى يكتب
عند الله كذَّاباً.ولما كانت القدوة الصالحة خير طريق لاكتساب الخُلقِ الحسن؛ فقد أمرنا الله عزَّ وجل بصحبة الصَّادقين من المؤمنين في قوله: يا أيُّها الَّذين آمنوا اتَّقوا الله وكونوا مع الصَّادقين، وقد امتدحهم الله في آية أخرى فقال: مِنَ المؤمنينَ رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فهم الوجه المشرق المنير للإنسانية، وفيهم تتجلَّى الرجولة الحقيقية لأنهم صدقوا قولاً وعملاً، ونشروا راية الإيمان شرقاً وغرباً، فسكنت قلوبَهُم سعادةٌ يحسدهم عليها ملوك الدنيا وأباطرتها، وعُمِّرت بيوتهم المتواضعة بذكر الله ونوره، فغدت تضاهي بسكينتها والسعادة الَّتي فيها، قصور الأمراء والمترفين.فالصِّدق بُغية المؤمنين ولا يزالون يتحرَّونه حتَّى ينالوا رتبة الصدِّيقين، ولا يحيدون عن دربه إلى أن يلقَوُا الله فيحشرهم مع النبيين والشهداء والصالحين. ويسألون الله أن يثبِّتهم على هذا الخلق العظيم أسوة بحبيبهم الصَّادق الأمين صلى الله عليه وسلم الَّذي كان يدعو كما علَّمه الله: وقُلْ رَبِّ أدخلني مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخرجني مُخْرَجَ صِدْقٍ واجعلْ لي من لدُنْكَ سلطاناً نصيراً.. أي ربِّ أدخلني كلَّ مدخل في الحياة دخولاً حسناً مَرْضِيَّاً تجعلني فيه من الصَّادقين، وأخرجني إخراجاً حسناً مؤيداً بتوفيقك واكتبني فيه من الصَّادقين، واجعل رحلة حياتي من بدئها إلى ختامها، ميسَّرة ومسدَّدة وآمنة، في ظلِّ عنايتك الَّتي تظلُّني؛ إلى أن ألقاك وقد أدرجتني في ديوان الصَّادقين الأبرار.
فما أجمله من دعاء يترجم حقيقة حالهم؛ إنهم صدقوا والتزموا التَّقوى في أموالهم وأعمالهم، فأعدَّ الله لهم خير المساكن، وأكرم المنازل، وبوَّأهم الجنَّة يتمتَّعون بنعيمها المقيم، ويتلذَّذون فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، فيغدق
عليهم من فضله ورضوانه ما يسعدهم ويرضيهم؛ فهم في بساتين غنَّاء ورياض فيحاء، وأنهار جارية، وأشربة صافية لذيذة، ومجالس صادقة خالصة، لا لغو فيها ولا تأثيم وَعْد الصِّدق الَّذي وعدهم في قوله جلَّ من قائل: إنَّ المُتَّقينَ في جنَّاتٍ ونَهَرٍ في مقعدِ صِدْقٍ عند مَلِيْكٍ مقْتَدِرْ. فما أشدَّ ظلم الإنسان لنفسه عندما يُعْرِضُ وينأى عن طريق الصِّدق والصَّادقين، ويسلك طريق الكذب ويرضى بأن يكون من المفسدين المنافقين، ولهذا فإن الله عزَّ وجل نفى صفة الكذب وافترائه عن المؤمن الَّذي يكون حريصاً على سلامة المجتمع وأمنه وسعادته فقال: إنَّما يفتري الكذبَ الَّذين لا يؤمنونَ بآياتِ الله وأولئكَ هُمُ الكاذبون.اللهم اجعلنا من الصدقيين واكتبنا معهم في جنات النعيم، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وسلم

احمل ما خط القلم

بسم الله الرحمن الرحيم


أجمل ما خط قلم
و أعظم ما تجمل به علم
و أجل ما عرفت البشرية شعوباًً وأُمم

أعذب ما نطق به لسان
وأقدس ما ذكر في زمان أو مكان

سبحانك
خالق كل شي من العدم

سبحانك
الأعظم والأعلم
رب الشرق والغرب والعرب والعجم
لك حق السجدة والركعة
لك حق الخشية والدمعة
لك ما ليس لغيرك
إياك نحن نطلب
وإليك جباهنا بالأرض تكتب
سبحانك
خلقت اليابس والأخضر
سبحانك
خلقت الحار والبارد
سبحانك
خلقت الضئيل والضخم
سبحانك
خلقت البحار ومددت الأرض

سبحانك
خلقت الصغير والهرم

سبحانك
خلقت المشع والمضيء

سبحانك
سبحانك
خلقت المتشابه والمختلف معا
سبحانك
بعثت بالرحمة في كل ذي كبد رطب

سبحانك
علمت بالقلم

سبحانك
الجمل بالإعجاز فيه يفخر

سبحانك
والصافنات الجياد بالارض تحفر

سبحانك
والعين بجمال ما خلقت تسبح وتذكر
رزقت بلا حساب
و رحمت وبأمرك العقاب

سبحانك
مددت الظل كي نستظل وبعثت رسولك صلى الله عليه وسلم بالحق كي لا نضل
سبحانك
جعلت النخل باسقات ورفعتنا بالعلم مراتب وطبقات
اللهم أني أسالك إيمانا كاملا وأسألك قلباً خاشعاً وأسألك علماً نافعاً
وأسألك يقيناً صادقاً وأسألك ديناً قيماً وأسألك العافية من كل بليه
وأسألك تمام العافية وأسألك الشكر على العافية وأسألك الغنى عن الناس
اللهم إني أدعوك باسمك الواحد الأعز
وأدعوك اللهم باسمك الصمد
وأدعوك باسمك العظيم الوتر
وأدعوك باسمك الكبير المتعال

أن تكشف عنا ما أصبحنا وما أمسينا فيه من ضيق وهم
اللهم أجعل القرآن الكريم لنا في الدنيا قرينا .. وفي القبر مؤنساً
وعلى الصراط نوراً وفي القيامة شفيعاً وإلى الجنة رفيقاً
ومن النار ستراً وحجاباً وإلى الخيرات كلها دليلاً وإماماً
بفضلك وجودك يا أكرم الأكرمين
اللهم آمين

الغش.. تعريفه ، مظاهره و مضاره

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً...وبعد:

لقد ذمّ الله عزّ وجلّ الغش وأهله في القرآن وتوعدهم بالويل، ويُفهم ذلك من قوله تعالى: { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينْ . الّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } [المطففين:1-3].

فهذا وعيد شديد للذين يبخسون- ينقصون- المكيال والميزان، فكيف بحال من يسرقها ويختلسها ويبخس الناس أشياءهم؟1 إنه أولى بالوعيد من مطففي المكيال والميزان.

وقد حذّر نبي الله شُعيب- عليه السلام- قومه من بخس الناس أشياءهم والتطفيف في المكيال والميزان كما حكى الله عزّ وجلّ ذلك عنه في القرآن.

وكذلك حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من الغش وتوعّد فاعله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً. فقال: « ما هذا يا صاحب الطعام؟ » قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: « أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني » وفي رواية « من غشنا فليس منا » وفي رواية « ليس منا من غشنا » [رواه مسلم].

فكفى باللفظ النبوي "ليس منا" زاجراً عن الغش، ورادعاً من الولوغ في حياضه الدنسة، وحاجزاً من الوقوع في مستنقعه الآسن.

إننا يا أخي في حاجة شديدة إلى عرض هذا الوعيد على القلوب لتحيا به الضمائر، فتراقب الله عزّ وجلّ في أعمالها، دون أن يكون عليها رقيب من البشر.

وصدق من قال:
ولا ترجع الأنفس عن غيِّها *** ما لم يكن منها لها زاجر

ولا يكن مثلنا في معالجة هذه الظاهرة، وغيرها من الظواهر المدمرة في المجتمع- كمريض بالزائدة الدودية يحتاج إلى مبضع الجراح..فتعمل له كمادات ساخنة عساها أن تخفف الألم.. إن المريض سيموت قبل أن التفيكر في استدعاء الطبيب!!

وإليك يا أخي المبارك وقفات مع ظاهرة الغش بعد ما علمت ما رُتب عليه من الوعيد:

الوقفة الأولى: تعريف الغش:
قال المناوي: "الغش ما يخلط من الرديء بالجيد".
وقال ابن حجر الهيثمي: "الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل".
وقال الكفوي: "الغش سواد القلب، وعبوس الوجه، ولذا يطلق الغش على الغل والحقد".

الوقفة الثانية: مظاهر الغش
إن التأمل في واقع كثير من الناس ليجد أنهم يمارسون صوراً من الغش في جميع شؤون حياتهم ومن ذلك:

أولاً: الغش في البيع والشراء:
وما أكثره في زماننا في أسواق المسلمين!! ويكون الغش فيهما بمحاولة إخفاء العيب، ويكون في طرق أخرى كالغش في ذاتية البضاعة أو عناصرها أو كميتها، أو وزنها أو صفاتها الجوهرية أو مصدرها، كما حدد ذلك نظام مكافحة الغش التجاري الصادر بالمرسوم الملكي رقم (45) في 14/8/ 1381 هـ

وإليك طرقاً من مظاهر ذلك على التفصيل:
1- بعض البائعين للفاكهة يضع في نهاية القفص المعد لبيعه الفاكهة أوراقاً كثيرة، ثم يضع أفضل هذه الفاكهة أعلى القفص، وبذلك يكون قد خدع المشتري وغشه من جهة أن المشتري يظن أن القفص مليء عن آخره، ومن جهة أنه يظن أن كل القفص بنفس درجة الجودة التي رآها في أعلاه.

2- وبعضهم يأتي بزيت الطعام ويخلطه ببعض العطور على أن تكون كمية الزيت هي الغالبة وبعضها في عبوات زجاجية ويخرج منها ريح العطر ويبيعه بثمن قليل.

3- وبعض التجار يشتري سلعة في ظرف خفيف جداً ثم يجعلها في ظرف ثقيل نحو خمسة أضعاف الأول، ثم يبيع ذلك الظرف وما فيه، ويوزن جملة الكل، فيكون الثمن مقابلاً للظرف والمظروف.

4- وبعض التجار يخيط الثياب خياطة ضعيفة ، ثم يبيعها من غير أن يبين أن هذا مخيط، بل ويحلف بالله إنه لجديد وما هو بجديد فتباً له!!

5- وبعضهم يلبس الثوب خاماً إلى أن تذهب قوته جميعها ثم يقصره حينئذ ويجعل فيه نشاً يوهم به أنه جديد، ويبيعه على أنه جديد.

6- وبعض العطارين يقرب بعض السلع إلى الماء كالزعفران مثلاُ فتكتسب منه مائية تزيد وزنه نحو الثلث.

7- وبعض التجار وأصحاب المحلات يسعى إلى إظلام محله إظلاماً كثيراً باستخدام الإضاءة الملونة أو القاتمة، حتى يعيد الغليظ من السلع والملابس- خصوصاً- رقيقاً، والقبيح حسناً، زين لهم الشيطان سوء أعمالهم.

8- وبعض الصائغين يخلط مع الذهب نحاساً ونحوه، ثم يبيعه على أنه كله ذهب.

9- وبعضهم يعمد إلى شراء ذهب مستعمل نظيف، ثم يعرضه للبيع بسعر الجديد دون أن يُنبّه المشتري على انه مستعمل.

10- يعمد بعض البائعين في مزاد السيارات إلى وضع زيت ثقيل في محرك السيارة حتى يظن المشتري أنها بحالة جيدة.

11- وبعضهم يعمد إلى عداد الكيلو في السيارة الذي يدل على أنها سارت كثيراً فينقصه بحيلة حتى يتوهم المشتري بذلك أنها لم تسر إلا قليلاً.

12- وبعضهم إذا كان معه سيارة يريد بيعها، ويعلم فيها خللاً خفياً، قال لمن يريد شراءها: هذه السيارة أمامك جرّبها إن أردتها، ولا يخبره بشيء عنها.. ولعَمر الله إنه لغش وخداع.

13- وبعضهم يعمد إلى ذكر عيوب كثيرة في السيارة وهي ليست صحيحة ، ويهدف من وراء ذلك إلى إخفاء العيوب الحقيقية في السيارة تحت هذه العيوب الوهمية المعلن عنها.

والأدهى من ذلك أنه لا يذكر العيوب إلا بعد البيع وتسليم العربون، ولا يمكّن المشتري من فحص السيارة بل ولا يسمح له بذلك.

14- وبعضهم إذا كان معه سيارة يريد بيعها صار يمدحها ويحلف بالله أنها جيدة، ويختلق أعذاراً لسبب بيعها. والله عزّ وجل يعلم السر وأخفى.

15- وبعضهم يتفق مع صاحب له ليزيد في ثمن السلعة فيقع فيها غيره. وهذا هو النجش الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.

16- ومن الغش في البيع أن يقوم القصّاب- الجزار- بنفخ الذبيحة التي يراد بيعها، ليبين للمشتري أن المنفوخ كله لحم.

17- وبعضهم يعمد في مزاد الأغنام إلى تغذيتها بالملح- وكذلك في محلات بيع الدجاج- حتى يظن المشتري أنها سمينة وهي بخلاف ذلك.

18- وبعض أصحاب بهيمة الأنعام يعمد إلى صرِّ- أي شد وربط- ضرع ذات اللبن من بهيمة الأنعام قبل بيعها بأيام ليظهر أنها حليب.

وهي ليست كذلك فلا ينطق لها ضَرْعٌ إلا بعد تَضَرُّع!!

19- .................................................. ..................................

20- .................................................. .................................

وأدع لك المجال لتضيف ما خطر في ذهنك من صور الغش في البيع والشراء. وأعيذك بالله إن كنت بائعاً أو مشترياً من الغش والاتصاف بشيء مما سبق.

ثانياً: الغش في الزواج:
ومن مظاهر الغش فيه ما يلي:

1- أن يقدم بعض الآباء للمتقدم لإحدى بناته ابنته الصغيرة البكر، ويوم البناء- ليلة العرس- يجدها الكبيرة الثيب، فيجد بعضهم لا مناص ولا هروب من هذا الزواج.

2- وبعض الآباء وأولياء النساء يُري الخاطب البنت الجميلة ، ويوم البناء يرى أنها الدميمة القبيحة فيضطر للقبول- إن قبل.

3- وبعض الآباء قد يخفي مرضاً أو عيباً في ابنته ولا يبينه للخاطب ليكون على بينة، فإذا دخل بها اكتشف ما فيها من مرض أو عيب.

4- وبعض الآباء وأولياء البنات إذا طلب منهم الخاطب رؤية المخطوبة- وهو جائز بشروطه- أذنوا في ذلك بعد أن تملأ وجهها بكل الألوان والأصباغ التي تسمى "مكياجاً" لتبدو جميلة في عينيه، ولو نظر إليها دون هذا القناع من المساحيق لما وقعت في عينيه موقع الرضا.

أليس هذا غشاً يترتب عليه مفاسد عظيمة في حق الزوج والزوجة؟!

5- وبعض الأولياء يعمد إلى تزويج موليته دون بذل جهد في معرفة حال الخاطب وتمسكه بدينه وخلقه.. وفي هذا غش للزوجة وظلم لها.

6- ومن الغش في الزواج أن يعمد الخاطب إلى التشبع بما لم يعط، فيُظهر أنه صاحب جاه وأنه يملك من العقارات والسيارات الشيء الكثير. بل ويسعى إلى استئجار سيارة فارهة تكلف المئات من الريالات ليظهر بأنه يملك، ولا يملك في الحقيقة شيئاً.

7- ومن الغش كذلك أن يعمد بعض الناس إلى تزكية الخاطب عند من تقدم لهم، ومدحه والإطراء عليه وأنه من المصلحين الصالحين، مع أن هذا الخاطب لا يعرف للمسجد طريقاً.

فكفى- أيُّها الأحبة -غشاً وخداعاُ يهدم البيوت، ويشتت الأسر.

8- ومن الغش ما تقوم به بعض النساء- وخاصة الكبيرات- من الفَلَج- وهو برد الأسنان لتحصل بينها فرجة لطيفة تظهر بها الكبيرة صغيرة، فيظن الخاطب أنها كذلك فإذا تزوجها اكتشف أنها بلغت من الكبر عتياً. وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى.

ثالثاً: الغش في النصيحة:
وذلك بعدم الإخلاص فيهان والقصد من بذلها أغراض دنيوية وأغراض دينية، ومن حق الأخُوّة بين المؤمنين أن يتفانى الأخ في نصح أخيه ويمحص له ذلك، فالمؤمنون نَصحة والمنافقون غششة.

والمؤمن مرآة أخيه إذا رأى فيه عيباً أصلحه. والنصيحة تكون بكف الأذى عن المسلمين، وتعليمهم ما يجهلونه من دينهم، وإعانتهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، بجلب النافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبريهم، ورحمة صغيرهم، وتخوُّلهم بالموعظة الحسنة، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه.

روى الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده أن جرير بن عبد الله البجلي- رضي الله عنه- أمر مولاه أن يشتري له فرساً، فاشترى له فرساً بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس- وانظر إلى النصيحة: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبد الله. فقال: فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة، وصاحبه يرضى وجرير يقول: فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة فاشتراه بها. فقيل له في ذلك فقال: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم.

رابعاً: الغش في الرعية:
عن معقل بن يسار المزني- رضي الله عنه- أنه قال في مرضه الذي مات فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة » [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].

وأحد لفظي البخاري: « ما من مسلم يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة »

فهذا وعيد شديد يدخل في كل من استرعاه الله رعيّة سواءً كانت صغيرة أم كبيرة، ابتداءً من أفراد الأسرة إلى الحاكم، فيجب على الكل النصح لرعيته وعدم غشهم.

فالموظف يجب عليه أن ينصح في وظيفته وأن يؤديها على الوجه المطلوب شرعاً دون غش ولا خداع، ودون تأخير لأعمال الناس ومصالحهم، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله عزّ وجلّ. فما ولاه الله عزّ وجلّ هذه الوظيفة إلا ليديم النصح للمسلمين.

وكذلك الأب يجب عليه أن ينصح أولاده، وألا يفرط في تربيتهم بل يبذل كل ما يستطيع ليقي نفسه وأولاده من نارٍ وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد.

قال ابن القيم رحمه الله: "وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد- رأيت عامته من قبل الآباء" [تحفة المودود ص146].

خامساً: الغش في الامتحان:
وما أكثر طرقه ووسائله بين الطلاب والطالبات!! وسبب ذلك هو ضعف الوازع الديني، ورقة الإيمان، وقلة المراقبة لله تعالى أو انعدامها.

قال سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: "قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من غشنا فليس منّا » وهذا يعم الغش في المعاملات، والغش في الامتحان، ويعمّ اللغة الإنجليزية وغيرها، فلا يجوز للطلبة والطالبات الغش في جميع المواد لعموم هذا الحديث وما جاء في معناه. والله ولي التوفيق".

هذا بعض مظاهر الغش تدل على غيرها، وهي غيض من فيض، وقطرة من بحر، ليحيا من حيي على بيّنة ويهلك من هلك على بيّنة.

وإلى كل من وقع في صورة من صور الغش ذُكرت أو لم تذكر نقول له: اتق الله يا أخي واستشعر رقابة علام الغيوب، وتذكر عقابه وعذابه { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [الفجر: 14] واعلم أن الدنيا فانية وأن الحساب واقع على النقير والفتيل والقطمير، وأن العمل الصالح ينفع الذرية، والعمل السيئ يُؤثّر في الذرية، قال تعالى: { وَلْيَخْشَ الَّذينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً } [النساء: 9]. فمن تأمل هذه الآية خشي على ذريته من أعماله السيئة وانكفّ عنها، حتى لا يحصل لهم نظيرها.

ثم اعلم أن للغش مضارً عظيمة وإليك بيانها في الوقفة التالي:

الوقفة الثالثة: مضار الغش
من مضار الغش:
1- الغش طريق موصل إلى النار.
2- دليل على دناءة النفس وخبثها، فلا يفعله إلا كل دنيء نفسٍ هانت عليه فأوردها مورد الهلاك والعطب.
3- البعد عن الله وعن الناس.
4- أنه طريق لحرمان إجابة الدعاء.
5- أنه طريق لحرمان البركة في المال والعمر.
6- أنه دليل على نقص الإيمان.
7- أنه سبب في تسلط الظلمة والكفار، قال لابن حجر الهيثمي: "ولهذه القبائح- أي الغش- التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم ، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً.

وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب، وأخذ الأموال والحريم، إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لمّا أن أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة والمتنوعة، وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتحايلات الباطلة على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها، لا يراقبون الله المطلع عليهم" اهـ.

كيف نتجاوز هموم الحيـــاة

بسم الله الرحمن الرحيم


من نظر اليوم إلى واقع الأفراد والمجتمعات والدول وجد الهموم والهواجس والمخاوف والأحزان تعصف بالناس عصفاً ... فهناك هم الأمراض والكوارث والحروب ، وهناك هموم ومخاوف وقلق نفسي يصيب الأفراد والمجتمعات والدول تتعلق بالرزق وسبل توفيره والتدهور الإقتصادي وسبل علاجه وبالمستقبل المجهول والخوف من حلول الكوارث و نزول الأمراض والأوبئة .. وهناك هموم على مستوى الأفراد هم الزوجة وهم الأولاد وتوفير الرزق لهم وكيفية ضمان مستقبل آمناً لهم وهناك هم الوظيفة وهم المنصب وهم الراحة والأمن والطمأنينة وهم الحروب والمشاكل والصراعات والفتن وأصبح كثير من الناس يعيش في حيرة وقلق واضطراب .. قلوبهم واجفة مضطربة خائفة وجلة مما يقع في هذا العالم الذي فقد راحته وأمنه وسعادة حتى قال الشاعر :
مَلَكٌ كان على باب السماء ... يختم أوراق الوفود الزائرة طالباً من كل آت نبذة مختصرة ... عن أراضيه وعمن أحضره ... قال آت : أنا من تلك الكرة .. كنت في طائرة قبل قليل .. غير أني قبل أن يطرف جفني جئت محمولاً هنا فوق شظايا الطائرة ... وقال آت : أنا من تلك الكرة .. قبل ساعات ركبت البحر .. لكني جئت محمولاً على متن حريق الباخرة ... وقال آت : أنا من تلك الكرة .. وأنا لم أركب الجو أو البحر .. ولا أملك سعر التذكرة .. كنت في وسط نقاش أخوي في بلادي غير أني جئت محمولا على متن رصاص المجزرة .... أنا من تلك الكرة ... في انقلاب عسكري .. أنا من تلك اجتياح أجنبي - أنا من .. أعمال عنف في كراتشي ... أنا... حرب دائرة ... ثورة شعبية في القاهرة ... عبوة ناسفة .. طلقة قناص ... كمين ... طعنة في الظهر ... ثأر ... هزة أرضية في أنقرة .... أنا ... من .. تلك الكرة ... الملاكُ اهتز مذهولاً وألقى دفتره : أأنا أجلس بالمقلوب أم أني فقدت الذاكرة؟ أسأل الله الرضا والمغفرة إن تكن تلك هي الدنيا فأين الآخرة؟ (شعر/ أحمد مطر).

فهل يعقل أن تصل حياة كثير من الناس والمجتمعات والدول إلى هذا الوضع الذي ينذر بالخطر الداهم على عقيدة الفرد وحياته وآخرته وسلامة المجتمع وأمنه؟ فلماذا هذا الخوف والقلق النفسي والذي أصبح اليوم طاعون الحياة ؟ ولماذا أصبح الإنسان لا يتورع عن ارتكاب الجرائم والموبقات في حق إخوانه وبني جنسه ؟ لماذا ضعف الشعور بالأمان في عصر التقنية والتطور الصناعي والتقدم العلمي والتكنولوجي ؟ لماذا يقتل الإنسان أخوه ويعتدي على ماله وعرضه؟ وهل يعقل أن يخلق الله الخلق تم يتركهم ليعيشوا هكذا حياة وبهذه الصورة ؟ كلا وتعالى الله عن ذلك علواً كبيرا بل خلقهم ودلهم على ما فيه سعادتهم وراحتهم وأمنهم النفس والإجتماعي يقول عز وجل:" ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الاسراء:70) فالإنسان مخلوق كريم عند الله، سخر له ما في السماوات والأرض وبين له طريق الحياة الكريمة التي لا شقا فيها ولا تعاسة ولا قلق ولا حيرة حتى وإن وجدت تلك المصائب والمنغصات والكوارث فأنها من قدر الله ليبتلي عباده لكنه دلهم على طريق النجاة ودلهم على العلاج الذي يضمن لهم الراحة والطمأنينة والأمن النفسي حتى في أحلك الظروف وأصعب الأزمات ...

سُئل حاتم الأصم : علام بنيت أمرك في ( أي كيف بنيت حياتك وما سبب سعادتك واطمئنانك )؟ قال على أربع خصال :- علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي وعلمت أن عملي لا بقوم به غيري فأنا مشغول به ... وعلمت أن الموت يأتيني بغته فأنا أبادره ... وعلمت أني لا أخلو من عين الله عزّ وجلّ حيث كنت ، فأنا أستحي منه .... إن من أعظم القضايا التي تشغل الإنسان وتجلب عليه المشاكل وتدخل عليه الهموم .. الخوف على فوات الرزق لكن الإيمان والثقة بالله والتوكل عليه تعلم المسلم أن الرزق بيد الله وأنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزفها وأن هذا العالم بقوته وقدرته وأسلحته لن يستطيع أن يسلبك شيئاً من رزقك ولو كان شيئاً يسيرا .. قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (فاطر:3) وقال تعالى ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6) وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((إن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)) [السلسلة (2866)]. وقال صلى الله عليه وسلم: ( لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت ) حسنه الألباني / 950 )

إن رزقك يا عبد الله كتب لك وأنت في بطن أمك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً، ويؤمر بأربع كلمات، ويقال له، اكتب عمله و رزقه وأجله، وشقي أو سعيد ثمُ ينفخ فيه الروح)) رواه البخاري ومسلم. .. فو الله الذي لا إله إلا هو، لو اجتمعت الدنيا كلها، بقضِّها وقضيضها، وجيوشها ودولها، وعسكرها وملوكها وأرادوا أن يمنعوا رزقاً قدره الله لك، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ولو أرادوا أن يسقوك شربة ماء، لم يكتبْها الله لك، فإنك ستموت قبل هذه الشربة فكن مطمئن فرزقك عند الذي لا تأخذه سنة ولا نوم فأحسن الطلب ولا تطلبه إلا من طرق الحلال . قال عزَّ شأنه: ( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] وابذل الأسباب ثم توكل على الله وتق به .. يالله .. كم أذل الخوف على فوات الرزق من أفراد ومجتمعات ودول وكم تنصلت عن قيمها ومبادئها لأجل ذلك وكم ارتكبت لأجل ذلك من جرائم ومخالفات وكم سفكت من دماء وانتهكت من أعراض وكم ظهرت من خيانة للأمانات وكم فرط الناس بما تحت أيديهم من مسئوليات ..

وأما الخوف على الأولاد وضمان مستقبلهم فقد ضمن الله ذلك بشرط صلاح الآباء واستقامتهم قال تعالى (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدا)(النساء/9) فإذا كنت تحب أبنائك وتخشى عليهم بعد فراقك لهم فكن صالحاً واطمأن فإن الله سيحفظهم ويعينهم وفي سورة الكهف يقول تعالى عن سبب حفظ الجدار وبنائه وترميمه من قبل الخضر عليه السلام قال تعالى ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ) (الكهف/82) ..

لما جاءت سكرات الموت لعمر بن عبد العزيز قيل له هؤلاء بنوك وكانوا احد عشر ألا توصي لهم بشيء ; فإنهم فقراء ؟ فقال( إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين) [ الأعراف : 196 ] فمات وخلف أحد عشر ابناً، فبلغت تركته سبعة عشر ديناراً، كفن منها بخمسة دنانير، واشترى له موضع القبر بدينارين، وأصاب كل واحد من أولاده تسعة عشر درهماً، ومات هشام بن عبد الملك وخلف أحد عشر ابناً، فورث كل واحد منهم ألف ألف درهم قال المؤرخون فلقد رأينا بعض أولاد عمر بن عبد العزيز ينفق من ماله ثمانين فرسا في سبيل الله ، وكان بعض أولاد سليمان بن عبد الملك مع كثرة ما ترك لهم من الأموال في الشوارع يسأل الناس ... وأما الخوف من المجهول ومن المستقبل الذي أرق الناس وجلب لهم القلق والهم فأن الإيمان عقيدة تنفث في روع المسلم وخلده أن كل شيء في هذا الكون بيد الله وأنه لن يحدث أمر من خير أو شر إلا بقدر الله وأن ما قدره الله وقضاه واقع لا محالة قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22-23]... وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : " كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال : ( يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) . رواه الترمذي وقال :" حديث حسن صحيح "... ومن آمن بقدر الله وقدرته ومشيئته، وأدرك عجزهُ، وحاجته إلى خالقه تعالى، فهو يصدق في توكلِّه على ربَّه ويأخذ بالأسباب التي خلقها الله، ويطلب من ربه العون والسداد.. والمؤمن يردد في يقين قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51].. عند ذلك سيطمئن قلبك ...

وأما المــــــــوت فلماذا الخوف منه وهو سنة الله في خلقه وهو قدر الله في أرضه وسماءه قال تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:185) .. والمؤمن بربه قد أراح نفسه من هذا الهم والقلق بيقنه أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها قال تعالى ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (لأعراف:34) ...

لما حضرت أبا ذر الوفاة .. بكت زوجته .. فقال : ما يبكيك ؟ قالت : و كيف لا أبكي و أنت تموت بأرض فلاة و ليس معنا ثوب يسعك كفنا فقال لها : لا تبكي و أبشري فقد سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لنفر أنا منهم :ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين و ليس من أولئك النفر أحد إلا و مات في قرية و جماعة , و أنا الذي أموت بفلاة , و الله ما كذبت و لا كذبت فانظري الطريق قالت :كيف و قد ذهب الحجاج و تقطعت الطريق .. فقال انظري فإذا أنا برجال فألحت ثوبي فأسرعوا إلي فقالوا : ما لك يا أمة الله ؟ وكان فيهم الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود .. قالت : امرؤ من المسلمين تكفونه .. فقالوا : من هو ؟ قالت : أبو ذر قالوا : صاحب رسول الله ... ففدوه بأبائهم و أمهاتهم و دخلوا عليه فبشرهم و ذكر لهم الحديث ... فلما مات و فاضت روحه قال بن مسعود : صدق رسول الله فيك يا أبا ذر تعيش وحيدا وتموت وحيدا وتبعث وحيدا وصلى عليه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مع أصحابه رضي الله عنهم أجمعين ..

إن الخوف من الموت إن زاد عن حده الفطري ( فكل إنسان يحب الحياة ويرغب في أن يطول عمره ) يجلب على العبد الجبن والذل والقلق والهم والغم .. بل ويدفعه إلى بيع قيمه ومبادئه وأخلاقه وكل ذلك على حساب راحته وسعادته وفي الأخير سيأتي الموت قال تعالى ( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )(آل عمران: 154) وقال تعالى ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ)(النساء: من الآية78) ... وأما الخوف من تسلط العدو وتجبر الظلمة فأعلم أن لك قوة عظيمة تلجأ إليها عند نوائب الدهر وشدائد الزمان ، هذه القوة لا يمكن أن تهزم أو تضعف او تغيب وتتلاشى إنها قوة الله ..

إن هـــذه القوة يستمدها المسلم بإيمانه وتوكله على الله واعتزازه به .. قال تعالى: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10) ولهــذا لما تقـرر عند قوم شعيب عليه السلام أن العزة إنما تكون بما لدى المرء أو قومه من قوة وأسباب دنيوية فقط، صحح لهم نبيهم عليه السلام هذا المفهوم وأرشدهم إلى مصدر العزة الحقيقي .. ( قَالُـــوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود:91) فهم يرون أنه في نفسه غير عزيز، ويرون أنه يستمد عزته من قومه، فقال لهم: " ( يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (هود:92) فماذا كانت نتيجة الركــــون إلى الله وطلب المدد منه قال تعالى ( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (هود:94) .

يقول طاووس بن كيسان ـ وهو من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه, و من رواة البخاري ومسلم يقول: دخلت الحرم لأعتمر، قال: فلما أديت العمرة جلست عند المقام بعد أن صليت ركعتين، فالتفت إلى الناس وإلى البيت، فإذا بجلبة الناس والسلاح .. والسيوف .. والدرق .. والحراب .. والتفتت فإذا هو الحجاج بن يوسف، !! يقول طاووس: فرأيت الحراب فجلست مكاني، وبينما أنا جالس إذا برجل من أهل اليمن، فقير زاهد عابد، أقبل فطاف بالبيت ثم جاء ليصلي ركعتين، فتعلق ثوبه بحربة من حراب جنود الحجاج، فوقعت الحربة على الحجاج، فاستوقفه الحجاج، وقال له: من أنت؟ قال: مسلم. قال: من أين أنت؟ قال: من اليمن. قال: كيف أخي عندكم؟ وكان أخوه والياً على اليمن ... قال الرجل: تركته سمينًا بدينًا بطينًا! قال الحجاج: ما سألتك عن صحته، لكن عن عدله؟ قال: تركته غشومًا ظلومًا! قال: أما تدري أنه أخي! قال الرجل: فمن أنت؟ قال: أنا الحجاج بن يوسف. قال: أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله ؟! قال طاووس: فما بقيت في رأسي شعرة إلا قامت! قال: فأفلته الحجاج وتركه .. أي عـــزة هذه وأي عظمة هذه وأي قوة ينفثها الإيمان في روع المسلم وقلبه فتصغر في عينية الدنيا وفتنها ومغرياتها وقواها وابتلاءاتها ... إن المسلم لا يدرك هذه القوة إلا عندما يستشعر عظمة الله وقدرته وسعة ملكه وسلطانه فيترفع ويبتعد عن مواطن الذل والمهانة فلا يخاف من أجله ولا يخشى على رزقه يردد قوله تعالى ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:145) وقال تعالى ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6) لمــــا استدعى المندوب السامي الفرنسي ـ في سوريا ـ الشيخ عبدالحميد الجزائري وقال له: إما أن تقلع عن تلقين تلاميذك هذه الأفكار وإلا أرسلت جنوداً لإغلاق المسجد الذي تنفث فيه هذه السموم ضدنا وإخماد أصواتك المنكرة. فأجاب الشيخ عبدالحميد: أيها الحاكــم إنك لا تستطيع ذلك. واستشاط الحاكم غضباً, كيف لا أستطيع ؟ قــال الشيخ: إذا كنت في عُرسٍ هنأت وعلمت المحتفلين, وإذا كنت في مأتمٍ وعظت المعزين, وإن جلست في قطارٍ علَّمتُ المسافرين, وإن دخلت السجن أرشدت المسجونين, وإن قتلتموني ألهبت مشاعر المواطنين, وخيرٌ لك أيها الحاكم ألا تتعرض للأمة في دينها ولغتها...
هذا الإمام الشافعي رحمه الله يقول :

أنا إن عشت لست أعدم قوتا **** و إن أنا مت لست أعدم قبرا
همتي همة الملوك و نفسي **** نفس حر ترى المذلة كفرا


وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو في أشد محنته يقول : (ما يصنع أعدائي بي ؟أنا جنتي وبستاني في صدري أينما اتجهت لا تفارقني ،أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة ،وإخراجي من بلدي سياحة ) .. يا للروعة .. إنها كلمات تضيء النفوس ،وتنبهر بها العقول، وتهتز لها القلوب ،وتغمر الكون بالصفاء والروحانية والثقة واليقين والعزة .... فكن مطمئناً وعش حياتك بكل سعادة تحت أي ظروف وتوكل على الله وأحسن الصلة به ولا تستسلم لوساوس الشيطان وخواطر النفوس حينما تضعف وإيحاءات الباطل وكلام المثبطين وابذل ما استطعت من الأسباب لتتجاوز المحن وتتعدى الصعاب واصبر في ذات الله ولا ترضخ لهموم الحياة مهما كانت شدتها وقوتها وتفائل باليسر بعد العسر والفرج بعد الشدة والنصر بعد الصبر وكن صاحب رسالة ومبدأ تعيش من أجله لتكون عظيماً في الدنيا وملكاً هنــــاك في جنة عرضها السموات والأرض مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقـــاً