الجمعة، 19 أبريل 2013

الأدب مع الوالدين


لقد وصّانا الله عز وجل في كتابه العزيز، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ببر الوالدين، ومن أهمية الموضوع عند الله، فلقد ذكره بعد عبوديته سبحانه مباشرةً! وذلك في كل المواضع التي ذكرت بر الوالدين! فما بالك بأهمية ذلك العمل وقدره عند الله؟

وذلك في قوله تعالى:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [البقرة: 83].

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا} [النساء: 36].

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151].

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء:23].

وفي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم:
أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسن بن حامد بن هارون بن عبد الجبار البخاري المعروف بابن النيازكي قراءة عليه فأقر به قدم علينا حاجا في صفر سنة سبعين وثلاثمائة قال أخبرنا أبو الخير أحمد بن محمد بن الجليل بن خالد بن حريث البخاري الكرماني العبقسى البزار سنة اثنين وعشرين وثلاثمائة قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن الأحنف الجعفي البخاري قال: حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة قال الوليد بن العيزار أخبرني قال: سمعتُ أبا عمرو الشيباني يقول حدثنا صاحب هذه الدار وأومأ بيده إلى دار عبد الله قال: سألت النبي أي العمل أحب إلى الله عز وجل قال: «الصلاة على وقتها». قلت ثم أي؟ قال: «ثم بر الوالدين» قلت: ثم أي؟ قال: «ثم الجهاد في سبيل الله» قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني [رواه البخاري في الأدب المفرد]. فجاء ببر الوالدين بعد الصلاة وهي عماد الدين!

حدثنا أبو عاصم عن بهر بن حكيم عن أبيه عن جده قلتُ: يا رسول الله من أبر؟ قال: «أمك»، قلتُ من أبر. قال: «أمك»، قلتُ من أبر؟ قال: «أمك». قلتُ من أبر؟ قال: «أباك ثم الأقرب فالأقرب».

حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال: "رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد".

وكيف لا تكون لهما تلك المكانة عندنا، وهما اللذان اختارهما الله تعالى ليكونا سبباً في وجودنا في الدنيا!، وسخرهما لنا ليقوما بتربيتنا ومراعاتنا، والاعتناء بنا ويتحملا العناء طوال حياتنا، ذلك بدون أدنى مقابل!

كما قال تعالى:

{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].

{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15].

ورغم تلك المعاناة والآلام، إلا إنهما يجدا في ذلك قمة السعادة والحب، ويتحملا ذلك دون تذمرٍ أو سخط! بل يعملا على شكر الله تعالى طوال حياتهما على هذه النعمة -وهي نعمة الذرية- ومن لم يرزق بالأطفال يعد نفسه من أكثر المحرومين في الدنيا، إذ حرم من أجمل نعم الدنيا!

فما المقابل لذلك العطاء الذي لا يقابله مقابل مطلقاً؟! يكمن ذلك في فرض الله علينا، أن نبرهما ونحسن إليهما وأن نكون لهما نعم الذرية الصالحة، فذلك أقل القليل لهما، وإن كان يساوى عندهما الدنيا وما فيها!

ولكن كيف نبرهما ونحسن إليهما كما وصّانا الله؟

ينقسم ذلك إلى: بر بالقول، وبر بالعمل.

البر بالقول:

- القول الطيب: فإن الكلمة الطيبة صدقة للغريب والقريب، فما بالك بمن هم أقرب الناس إليك! وهما والداك اللذان صبرا عليك في الصغر وتحملا منك الكثير، ألا يستحقا منك مجرد كلمة طيبة؟
{وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: من الآية 23].

- ترك القول السيء: ذلك بترك كل ما قد يؤذيهما من القول، ولو بمجرد التأفف! فهل يجوز بعد ذلك الرد عليهما؟ فمجرد الرد غير مقبول!
{فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: من الآية 23].

- الأدب:
عليك بالتحدث معهما بأدب، فلا تتبسط مهما في الحديث، وإن كانا يتبسطا معك، ففي ذلك تقليل من الشأن وقلة احترام، وبالطبع لا يجوز منادتهما باسميهما مجردين وإن كان على سبيل المداعبة!

- اللين في القول: ولا يمنع الاحترام أن تلين بالقول لهما!:
حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: من الآية 24]، قال لا تمتنع من شيء أحباه".

- الشكر:
عليك دائماً الشكر لهما على ما يقدماه لك، وأن تشكر الله أيضاً على هذه النعمة، فكم من طفل حرم من والديه وأصبح يتيماً، لا يجد من يراعيه مثلك!
{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].

- الدعاء:
الدعاء لهما في السر والعلن، فوالله ذلك أقل ما يجب من الولد الصالح، وذلك على فضلهما في تربيتهما لك في الصغر!
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24]

وما من نبي أو صالح ذكر في القرآن إلا ودعى لوالديه! مثل إبراهيم ونوحٍ ويوسف وسليمان عليهم السلام {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41]، {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا} [نوح: 28].

وقد رتب الله صلاح الولد بدعائه ?والديه كما في الحديث:
«إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].

البر بالفعل:

- الطاعة المطلقة: وذلك في كل شيء إلا معصية الله، وذلك هو الاستثناء الوحيد لعدم طاعتهما، وذلك مع الحفاظ على المصاحبة بالمعروف والأدب معهما: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15].

وفي الحديث:
حدثنا محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عبد الملك بن الخطاب بن عبيد الله بن أبى بكرة البصري لقيته بالرملة قال: حدثني راشد أبو محمد عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قال: "أوصاني رسول الله بتسع: لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت، ولا تتركن الصلاة المكتوبة متعمداً، ومن تركها متعمداً برئت منه الذمة، ولا تشربن الخمر فإنها مفتاح كل شر، وأطع والديك وإن أمراك أن تخرج من دنياك فاخرج لهما، ولا تنازعن ولاة الأمر وإن رأيت أنك أنت، ولا تفرر من الزحف وإن هلكت، وفر أصحابك وأنفق من طولك على أهلك، ولا ترفع عصاك على أهلك وأخفهم في الله عز وجل"، فمجرد الأمر بالمعصية لا يعطيك الحق في عقوقهما أو نهرهما!

- البر والإحسان: وقد قيل أن المعنى الحقيقي للبر: هو أن ترد الطيب بما هو أحسن منه والزيادة فيه، و ليس فقط رد الطيب بالطيب مثله! فهو نوع من رد الجميل وإن كان لا يوفي ذلك أيضاً حقهما عليك! فعليك عندما يكبران أن تتفانى من أجلهما كما تفانيا من قبل لك في صغرك!
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]،

فكم من صحابي أو تابعي لم يزل يبر أبويه رغم كفرهم لأنه يعلم قدر ذلك عند الله، فما بالك بأبويك المسلمين!

حدثنا الحميدي قال حدثنا بن عيينة قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبى قال: أخبرتنى أسماء بنت أبى بكر قالت: "أتتني أمي راغبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسألتُ النبي صلى الله عليه وسلم أفأصلها قال: «نعم»، قال بن عيينة: "فأنزل الله عز وجل فيها {لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: من الآية 8].

- الصبر:
عليك بالصبر عليهما في ما قد يبدو لك قسوة أو شدة، فما ذلك إلا لحبهما لك وخوفهما عليك، ذلك في الصغر، وإن كان في الكبر وقد تغيراً بحكم السن فلا تقل قد كبرت وأعلم مصلحتي وحدي، واصبر عليهما، وارحم ضعفهما، فقد كنت صغيراً ضعيفاً من قبل فصبرا عليك ولم يردا ذلك لك بالإساءة!، فعليك بصحبتهما بالمعروف واحتساب ذلك عند الله:
{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: من الآية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق