الخميس، 18 أبريل 2013

خوفهُ، وخَشيتهُ، وتضرُّعهُ صلَّى الله عليه وسلَّم



روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" قاربوا، وسدِّدوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعلمه ". وفي لفظ:" لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت ؟ قال:" ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ".

ورويا أيضاً عن جابر رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع شيئاً فرخَّص فيه، فتنزَّه عنه قوم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب، فحمد الله، ثم قال:" ما بال أقوام يتنزهون عن الشيءِ أصنعُه ؟ فو الله إني لأعلمهم بالله، وأشدّهم له خشيةً ".

وروى مسلم (1110), عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنبٌ أفأصوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم ", فقال: لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر فقال:" والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي ".

وروى مسلم (1108), عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُقبِّل الصائم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" سل هذه لأم سلمة "، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعُ ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أما أنا، والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له ".

وروى الشيخان, عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:" ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً، حتى ترى لهواته إنما كان يتبسَّم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيماً تلوَّن وجهه، وتغيَّر، ودخل، وخرج، وأقبل، وأدبر فإذا أمطرت سُرِّي عنه، قالت: يا رسول الله، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيتَ فيما عرف في وجهك الكراهة، فقال:" يا عائشة، وما يؤمنني أن يكون عذاب ؟ قد عذب الله عز وجل قوما بالرِّيح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا}[ الأحقاف24].

وروى الترمذي - وحسنه هو, والحافظ المنذري, وصححه الحاكم - عن ابن عباس وسعيد بن منصور، وابن عساكر عن أنس، والترمذي في الشمائل وأبو يعلى - برجال ثقات - عن أبي جحيفة، وابن عساكر عن عمران بن حصين، وابن سعد عن محمد بن علي بن الحسين، والطبراني وابن مردويه - بسند صحيح - قال ابن عباس: إن أبا بكر قال: وقال أنس: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله شبت، قال:" شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت ".

وروى الشيخان, عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" والذي نفسي بيده، لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ".

وروى ابن حبان (823), بسند صحيح, عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن, وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر أن ينفخ " ؟ قال: قلنا: يا رسول الله فما نقول يومئذ ؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ".

وروى الترمذي (2312), وحسنه الألباني, عن أبي ذر قال:" قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطَّت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله, لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً, وما تلذذتم بالنساء على الفُرُش, ولخرجتم إلى الصُّعُدات تجأرون إلى الله ".

قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد:" وأما بكاؤه فكان من جنس ضحكه،لم يكن بشهيق، ولا رفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة.

ولكن كان تدمع عيناه حتى يهملا، ويسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفا على أمته، وتارة من خشيتة الله، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال، يصاحب الخوف والخشية ".

وقال في "مدارج السالكين":" ومقام الخشية جامع لمقام المعرفة بالله والمعرفة بحق عبوديته, فمتى عرف الله وعرف حقَّه اشتدَّت خشيته له, كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[فاطر 28], فالعلماء به وبأمره هم أهل خشيته قال النبي r:" أنا أعلمكم بالله وأشدُّكم له خشية "اهـ.

وقال أيضاً:" والخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل, فإذا تجاوز ذلك خِيفَ منه اليأس والقنوط. قال أبو عثمان: صِدْقُ الخوف هو الورع عن الآثام ظاهراً وباطناً. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: الخوف المحمود: ما حجَزَكَ عن محارم الله. وقال صاحب المنازل: الخوف: هو الانخلاع من طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر - يعني الخروج عن سكون الأمن باستحضار ما أخبر الله به من الوعد والوعيد"اهـ.

بيان غريب ما سبق:

الخوف: بخاء معجمة مفتوحة، فواو ساكنة، ففاء: الفزع.

الخشية: بخاء معجمة مفتوحة، فشين معجمة، فتحتية مفتوحة، فتاء تأنيث: الخوف التضرع: بمثناة فوقية، فضاد معجمة مفتوحة، فراء، فعين مهملة: التذلل، والمبالغة في السؤال والرغبة.

الفضل: بفاء مفتوحة، فضاد معجمة ساكنة، فلام: الإعطاء لا عن إيجاب ولا وجوب.

أوه: بهمزة مفتوحة وواو ساكنة، فهاء مكسورة، وربما قلبوا الواو فقالوا: آه من كذا،

العارض: بعين مهملة، فألف، فراء مكسورة، فضاد معجمة: هنا السحاب الذي يعترض في الأفق.

أطَّت: بهمزة مفتوحة، فمهملة مشددة، ملئت لكثرة ما فيها من الملائكة.

الصعدات: الصعدات بضم الصاد، والعين المهملة، وفتح: الطرقات.

تجأرون: بمثناة فوقية، فجيم، فهمزة مفتوحة: تتضرعون رافعي أصواتكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق